الطروسي والـبـحـر - السادس ابتدائي
الطروسي والـبـحـر
اعتاد الناس أن يهربوا حين يرشقهم البحر، وأن يتراجعوا، وأن يغادروا الشاطئ متفادين البلل.. أما محمد بن زهدي الفروسـي فلم يكن يفعل ذلك قط . إنه لا يتراجع، ولا يهرب، ولا يخشى البلل، وحين تأتيه الموجة يكتفي بالقفز من مكانه مستثيراً البحر ليتابع لعبته بعنف أشد.
وحتى إذا اشتد المطر فإنه لا يبرح الشاطئ. هنا مقرة، هنا بيته، هنا ماضيه ومستقبلة كلاهما. هنا يجلس وينظر إلـى بعيد، إلى الآفاق وما وراءها، إلـى عوالم حبيبة، ومواني كثيرة، زارها على مركبـه "المنصورة" الذي حطمته العاصفة، واستقر أشلاء في الأعماق.
ثم هنا مفهاه. فبين هذه الصخور التي طوف فيها كثيراً، وسار عليها طويلا، افتتح مقهاه ليبقى على صلة دائمة بالبحر، ليكون جارة في الفصول الأربعة، فيما تبقى من سني العمر.
ومع أن الشاطئ يقفز في الشتاء، فإنه يظل على صخوره حالما حلمه الخاص، ناظرا إلى الأفق البعيد في الأماسي وأوقات الفراغ: ماذا في البعد يا طروسي: أيه رؤى وراء الغيب؟ أي سـر دفين فيه؟ أي نداء مجهول تأتيك من اللجن؟ أية صورة تطالعك من وراء التخوم؟.
لا أحد يدري. وحتـى أبو محمد الذي أصبح ملازمــا له لم يكن يدري. ولما سأله البحـارة أو الزبائن: "أين الفروسي؟"، أشار إلى الشاطئ وقال: "هناك !".