البحار والطفلة - الخامس ابتدائي
إنقلب سعيد على ظهره وحدق في السماء العالية وهو يبتسم ابتسامة عريضة متوهجة، شمس ساطعة تغمر كل شيء، وزرقة موشحة بآثار البياض، وتتلألأ على البحر مرايا، والرمل الذهبي، تلتمع حبائه كنثار الزجاج وخيمات منصوبة هنا وهناك، ومظلات ملونة مغروزة الأوتاد، ورجال ونساء وأطفال على الشاطئ بثياب الاستحمام، وتشكيلة الألوان للمنظر كله، تعطيه مشهد مهرجان الكل يلهو على الشاطئ، ثمة رجال يلعبون الكرة بأقدام حافية، وشباب يسيرون على الرمل المبتل يعرضون أجسامهم، ونساء يستلقين في الشمس مغمضات الأعين لإكساب بشراتهن اللون البرونزي، وأطفال يعبثون بالرمل يبنون بيوتاً أو يحفرون أنفاقاً، فلا يلبث الموج أن يهدم البيوت ويقوض الأنفاق. ظل سعيد، يتفرس فيما حوله، ويتحسس شعر رأسه الأبيض ويفكر ...وهو في جماعة من رفاقه يتحدث لهم عن البحر طويلاً، وقد برقت العيون من حوله وهي تنظر إليه باندهاش، قالت طفلة:"هل البحر كبير ياعماة؟ وماذا فيه؟ "أجاب:" كبير يا بنيتي، وفيه كل ما في البر، جبال ووديان وأشجار، وغابات وسهول وتلال، مغارات وكهوف، نباتات وأعشاب، وفيه مخلوقات من كل الأنواع :فيه سمك أحمر، وفضي وأصفر، وأخضر وأسود، ومن كل الألوان".
إزدادت دهشة الطفلة وسرورها ...ثم قالت :هل رأيت عروس البحر ياعماه؟ قال :لم أرها، ولكن الصيادين وصفوها بعجائب الأوصاف، وطلبوها للزواج، لكنها أشترطت أنّ من يرغب في ذلك عليه أن يعيش معها في مملكة أبيها .قالت الطفلة: " ولماذا لا يذهبون معها إلى مملكة أبيها؟" أجاب سعيد: " لأن الإنسان الذي ولد وعاش على الأرض، لا.يقوى على مغادرتها .السمكة تجب البحر والإنسان يحب الأرض .وهذه هي المسألة" قالت الطفلة: " هل تحب عروس البحر يا عماه؟" أجاب وعلامة الألم بادية على محياه:" البحر حبيبي، هذا الأزرق الرّحيب منه الخير والعطاء، والنعمة والبركة ومنه المرأة التي أحب". تألمت الطفلة للجواب، فعانقته وسالت دمعتان على وجنتيها من الحسرة.