رسالة مهاجر - السادس ابتدائي
رســــالة مهاجر
وصـل إلى كوناكري رجل في السادسة والثلاثين، ترك خلفه في بيروت زوجة وولدين، ولكنه حمل لهم معه حبا لا يضاهيه إلا الأمل الذي كان يغمر صدرة بالحصول على الثروة والعودة إليهم. خلم أفاق منه عندما قذفتة الباخرة على المرفا بوجه إفريقيا، يطوف نهارة في المدينة غريباً، ويأوي في الليل إلى زريبة مع بضعة عشر من رفاقه ينظرون إلى أحلامهم تتخاطفها الجرذان في تلك الأريبة بينما تتخاطف من طعامهم الرديء ومتاعهم المرفع الحقير.
ولقد هم مرارا بالرجوع من حيث أتى لولا أن تلقاة ذات يوم أخذ مواطنيه من المهاجرين القدماء. أركبه في سيارة، وذهب به في أدغال ليس لها أسم ، ثم حطة في مزرعة خيل إليه أنها على حدود الأبد، وقال له:
- تكون قيماً على مزرعة المؤز هذه التي هي لي، ويكون في خدمتك عشرون من العمال الأفارقة.
تحصن الرجل من الحشرات السامة منذ البداية. وكان لا ينام إلا ضمن أستار سميكة تكاد تخمد أنفاسه. وأما الأفاعي فلم يلبث أن أخذ يسابق العمال الأفارقة في مطاردتها، لكن القدر كان يهيئ له، بالرغم من اختياطه، شيئاً آخر.
في إحدى الليالي عاد الرجل إلى كوخه قلم تقو يداة على الامتداد إلى مأكل أو مشرب. ألقى جسمه المنهوك على
الفراش وفي ظنه أنه سيستريح بعد أن أتم عمله وأقفل الموسم. كان ينام ليالية السابقة منهكا من فرط التعب، غير أنه أستيقظ تلك الليلة على آلام ثمرقة. مد يده إلى قنديل الكاز بجانب الفراش ليشعلة ، وينهض إلى زاوية في الكوخ التي حجبها بستارة من الخيش، وجعل منها حماما، لكن ركبتيه خانتاه. وحين تمسك بالستارة هوى معها إلى الأرض، ونظر إلى ضوء القنديل الكليب، ضربته الشمس ضربتها، وتركت علاماتها على وجهه. لم يجد بجواره من يسعفة.
في الصباح وجد نفسه محمولاً على مخفة يأخذ بها عاملان. كانت الشمس قد علت في الأفق. نظر الرجل حواليه فأدرك أن الجماعة تُعيده إلى فراشه بعد أن قدمت له كل الإسعافات الضرورية التي أنقذته.